الأربعاء، 14 يوليو 2010

الخطاب الأخير





ها هي كعادتها كل اول شهر دخلت غرفتها لتغلقها خلفها و فتحت دولابها لتلتقط منه خطاب زوجها الحبيب, تفعل نفس الشىء دائما فهى لازالت محافظة على العهد الذى قطعاه سويا قبل سفره بأن تتسلم منه خطاب فى اول كل شهر وتقوم بالرد عليه , ها هو خطابه الاخير تفوح منه رائحة عطره وقد كتبه على ورقه من نفس الدفتر الذى اشتراه سويا قبل سفره واقتسما صفحاته, اخذت تقرأ الخطاب وهي ممسكة بورقة بيضاء للرد على خطابه فقد نفذ لديها الورق المزين بالورود والقلوب

- زوجتى الحبيبة 

= زوجى الحبيب

- لا تتصوري مدى شوقي لضمك انتى و صغيرتنا بين أحضاني

= كل شوق الدنيا لا يعادل شوقي لمجرد النظر لعيونك يا حبيب عمري


- لقد كنت في قمة السعاده عند سماع صوتها لأول مرة و هى تنطق بكلمة أبي

/ عندها تذكرت عندما بعث لها مع الحوالة مبلغ اضافي لكي تبتاع جهاز تسجيل حتى يتثنى له سماع صوتهم و الاستئناس به فى غربته


- ولا تتخيلي مدى سعادتي عند مشاهدة صورتها الاخيرة ها هي تلك الصغيرة التى تركتها فى احشائك تقف على قدميها و على شفتيها اجمل ابتسامه لأجمل طفلة فى العالم, اخبريها ان أباها يحبها و ينتظر اليوم الذى يستطيع ان يضمها فيه بين أحضانه و يطرب مسامعه بصوتها العذب و أرجوكي ان تخبريني يا حبيبتي عن كل شىء يخصها اريد أن اشعر انى معكم اشاهدها وهى تنمو وتكبر

/ وهنا أخذت تقص عليه كل أخبار ابنتهم ومواقفها التى لا تنتهي

- أسف يا حبيبتى ان كان الكلام قد أخذني على الصغيرة فمن الأن و صاعد يجب أن تعتادي على وجود منافس قوي يصارعك للفوز بحبي واهتمامي, ولكن برغم غلاوة ثمرة حبنا لا تزالي انتي الاصل والأساس, هل تعلمي ان ما يهون عليا سنين الشقاء هو اني اعلم انه مهما طالت سوف تنتهى بلقاء, كلما قتلني الحنين و الشوق اليكي اتذكر شقتنا المتواضعه بأثاثها المتهالك


/ وهنا بالرغم عنها وجدت نفسها تنظر حولها لتشاهد الشرخ فوق فراشها والذى حاولت اخفاءه بورق الجرائد ولكنه آبى ان يستمر على حاله وأخذ فى التمدد حتى وصل لمنتصف الحائط

- كلما تذكرت احوالنا أتعجب من انك قد وافقتني على الزواج مني فى تلك الظروف, أعلم ان الحب الذى جمع بين قلبينا لم يصادف قلب انسان من قبل, ولكنك كنتي تستحقين من يتمتع بظروف أفضل منى, تحتاجين لمن يتوجك ملكة

= تتعجب يا حب عمري من موافقتي على الزواج منك, هل تعلم انه لولا حيائي لكنت طلبت انا منك أن تتزوجنى, وهل تستطيع اى امرأة ان ترفض رجل مثلك لمجرد ضعف امكانياتة المادية, بماذا كنت سأفعل بفراش وثير وانا فى حضن رجل غيرك, بماذا كنت سأفعل بدولاب يضم أغلى وأفخر الثياب وأنا البسها لمخلوق سواك, بماذا كنت سأفعل بمنزل فاره أركانه تضمني وأنفاسي تختلط فيه بأنفاس شخص غيرك, كنت وحيده بلا اب أو ام أو اشقاء و نت كذلك, كلانا وجد فى الأخر ضالته, وجد ونيسه وتوأم روحه,
فكيف بالله عليك كنت تنتظر مني أن اضحي بكل ذلك من أجل أشياء زائلة فالحب أبقى من كل شىء

- حبيبتي ابشرك بأن هذا من الممكن أن يكون أخر خطاباتي فأنا عائد اليك عن قريب, أعلم انه لم تكن لديكي رغبه فى سفري وتركي لكي خصوصا و انك كنتي فى أول شهور الحمل, و لكن أبشري فأنا والحمد لله استطعت تدبير ثمن المنزل والأثاث الذى تستحقينه, وأشعر بأن الأجواء هنا لم تعد مبشرة بالخير خصوصا بعد الأحداث الأخيرة وأخشى ان يحدث شىء يعوق رجوعي اليكم فى الوقت الحالي لذلك سأكتفي بما انعم الله عليا به و سأجمع ثمرة غربتي لأعود اليكم فى أقرب وقت, وأخبري الصغيرة الجميلة انني قد ابتعت لها ولكي أفخر الثياب و الهدايا و كلي أمل أن تنال اعجابكم يا أميرتي

= وأنا انتظر عودتك الينا على أحر من الجمر يا حبيبي


- وأخيرا السلام ختام يا أعز ما في دنيتي قبلاتي لكي و للجميلة سارة


= سلام يا أغلى من روحي

/ وأخذت تنظر مليا لصورة زفافهم المعلقة أمام فراشها وتتفرس ملامح حبيبها وان كانت لا تحتاج لذلك, فهي تحفظ تقسيمات وجهه عن ظهر قلب, فالمرأة حين تحب تعشق تفاصيل حبيبها وهذا ليس بحبيبها فقط انه كل دنيتها وهدية السماء لها التي عوضتها عن سنين الوحده بعد وفاة ذويها, صحيح انها لم تعش معه سوى أشهر قليلة لكنه فى خلال تلك الأشهر اذاقها من السعاده والحب ما يكفيها لباقي عمرها

/ وبعد ان انتهت من كتابة خطابها قامت بطيه وفتحت من جديد دولابها وقبلت خطاب زوجها ووضعته فى مكانه وقامت بوضع خطابها فوق صف من الخطابات على شاكلته مجرد ورق بدون أظرف فهى تعلم انها لن تستطيع ارساله لزوجها, فبعد هذا الخطاب الاخير قطع سنوات الغربة كما وعدها, ولكنه لم يعد على مقعد فى الطائرة,  فلقد عاد فى صندوق يحمل جثمانه بعد وفاته فلقد كان زوجها احد ضحايا حرب الخليج, عاد بعد أن ترك ورائه ثمرة غربته لم يتمتع بها لا هو ولا احبائه بعد وفاته

* ماما ماما
 ها هي سارة تنادي عليها لكي تلقي على مسامعها الأحداث التى مرت بها في عملها اليوم, سارة التي لولا وجودها و احتياجها لها لأنهت حياتها بعد موت فارسها 
خرجت لترى ابنتها و ظلت تتردد داخلها جملة واحدة
"حبيبى سأظل باقيه على العهد حتى يجمعنا الموت"